الشذوذ الجنسي في التشريع العراقي






المستشار 
.أ.د. رياض السيد حسين ابو سعيدة

النجف الاشرف 22 محرم 1445 /10-8-2023

riadhh.abuseaida@uokufa.edu.iq

dr.riyadh_hussin@yahoo.com

 


          تمر المجتمعاتُ على اختلاف ثقافاتها بانعطافةٍ شرعيةٍ اخلاقيةٍ تتعارض مع الطبيعة التكوينية للبشر، وصفت بأنَّها شذوذا جنسيا، ومن بين أسباب كثيرة ساعدت على توسع دائرة التعاطي مع هكذا سلوك منحرف تمثل بإباحته بحكم القانون من دون التعرض له بالتجريم والنهي.

         يُعدّ موضوع الشذوذ الجنسي من المواضيع الحساسة والمهمة في الوقت ذاته، وذلك لما يشتمل عليه هذا السلوك المنحرف من بُعدين مهمين، الأول هو تعدي حدود الله تعالى بهذا المستوى من الانحراف القيمي والاخلاقي، والبعد الآخر هو ما تنطوي عليه هذه الممارسة المنحرفة من خطورة اجرامية، وما يترتب عليها من آثار اجتماعية مدمرة .

            الشذوذ في اللغة شَذَّ عنه یَشِذُّ ویَشُذُّشذوذا : انفرد عن الجمهور وندر، فهو شاذٌّ،وأَشذُّه غیره؛ ابن سیدهشَذَّ الشَّيءُ یَشِذُّشَذّاً وشُذوذا : ندر عن جمهوره؛ قالوشُذَّانجمع شاذّ مثل شاب وشُبَّان، ویروى بفتحالشین، وهو المتفرق من الحصى وغیره .

        أما أصطلاحا فالشذوذ عموماً هو كلانحراف عن المسار الطبیعي في اشباعالغریزة بمختلف أنواعها، فإن من یمارسالجنس بغیر وضعه الطبیعي یُعدُّ شاذجنسیاً، ومن یأكل بغیر الطریقة الطبیعیةهو شاذ في طعامه... وهكذا .

       يمكن ان يعرف انه حالة تتمیز بتجنبالعلاقات التناسلیة الجنسیة الغیریة   الخارجة عن مألوف الطبیعة التكوینیةوالعرف الاجتماعي، وهو بذلك یُعبّرعنانحراف في الممارسة الجنسیة الطبیعیةالقائمة بین الكائن الحي وبین ما یُقابله منالنوع نفسه، أو مع أفرد لا ینبغي القیامبهذه الممارسات معهم، كالمحارم والاطفالوالعجائز والأموات والحیوانات وما شاكلذلك .

        ترد عبارة الآداب العامة Les bonnesmoeurs جنباً إلى جنب في لغة القانون مع عبارة النظام العام وما هذا إلا لأنها من المجالات التي تتعلق بالمصلحة العامة للمجتمع، والتي يقوم عليها مفهوم النظام العام. وإذا كان النظام العام هو مجموعة المبادئ الأساسية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية التي يقوم عليها مجتمع ما في وقت من الأوقات، فإن الآداب العامة في لغة القانون هي مجموعة المبادئ النابعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية المتوارثة اجتماعياً والعادات والتقاليد والأعراف المتأصلة في مجتمع ما، في زمان معين والتي يعد الخروج عليها انحرافاً لا يسمح به المجتمع. وإذا كانت قواعد الآداب العامة تتصل بقواعد النظام العام الذي يرد في نصوص القانون وقواعد الأخلاق، فإنها تختلف عنهما. 

        تختلف قواعد الاداب العامة عن النظام العام في نطاقها: فالآداب العامة تتعلق على وجه الخصوص بتلك المبادئ والأسس المتصلة بالأمور الجنسية، ولكنها تشمل كذلك بعض المسائل الأخرى كالمقامرة والرهان وكسب المال بطريق غير شريف. أما النظام العام فيتسع ليضم، بالإضافة إلى الآداب العامة، المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع. وتختلف الآداب العامة عن قواعد الأخلاق، فمن المعلوم أن الفقه القانوني يفرق بين قواعد الآداب العامة وقواعد الأخلاق منساقاً وراء التفرقة بين قواعد القانون عامة وقواعد الأخلاق. الا ان أن سلطة القاضي في تحديد مضمون الآداب العامة تخضع لرقابة محكمة التمييز وذلك للحيلولة دون الانحراف في التقدير.

        تعد السياسة التشريعية العربية جملة من الاتفاقات مخالفة للآداب العامة , لعل اهمها : الاتفاقات المتعلقة بالجنس: إن الحقل الخصب لأعمال قواعد الآداب العامة هو العلاقات الجنسية، إِذ يعدّ كل اتفاق غير شرعي على قيام علاقة جنسية بين طرفين مخالفاً للآداب العامة، ويدخل في ذلك كل الالتزامات التي يكون محلها، أو سببها الجنس، أو التعهد بتقديمه للآخرين.والاتفاقات المتعلقة بدور البغاء: إن كل اتفاق يتضمن البيع، أو الإيجار أو الاستغلال، لأي عقار من أجل تخصيصه للدعارة، يعدّ مخالفاً للآداب العامة، ولو كان ذلك برخصة إداريةوالاتفاقات المتعلقة بالمقامرة: إن كل التزام يكون محله أو سببه المقامرة، أو الرهان، وكل بيع أو إيجار لهذه الغاية، يكون مخالفاً للآداب العامة.

      الى جانب ما تم ذكره , عدّ الاجتهاد القضائي التواطؤ عن طريق الاتفاق بين أصحاب العروض في التعهدات العامة، الذي يقوم على الغش والتزوير، مخالفاً للآداب العامة، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتعهد القائم على أساس الامتناع عن الإخبار بجريمة.

         يترتب على مخالفة الآداب العامة عملياً نتائج مهمة، فمن المعلوم أن القواعد المتعلقة بالآداب العامة هي قواعد آمرة، لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وهي تعدّ قيداً على مبدأ سلطان الإرادة في إجراء التصرفات القانونية، بمعنى أنه يجب على الأفراد احترامها حتماً، وعدم الخروج عليها.لذا؛ فإنه لا يجوز إبرام أي اتفاق بشأن علاقات جنسية غير شرعية، أو أي اتفاق يتعلق بمقامرة أو رهان، ويمتنع إنشاء النوادي التي من شأنها إباحة التعري، ولا يجوز إنشاء مسابح تسمح بظهور الأشخاص بوضع منافٍ للحشمة. وبوجه عام فإن كل اتفاق يكون محله أو سببه مخالفاً للآداب العامة، يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً. ولا يترتب عليه أي أثر، ولا يمكن أن يزول هذا البطلان بإجازة، أو بمرور الزمن، ويستطيع كل ذي مصلحة أن يتمسك به، ويجب على القاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه، ولو لم يطلب منه ذلك. ويترتب على البطلان من الناحية القضائية إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الاتفاق، إذا كان ذلك ممكناً، أو الحكم بالتعويض على أساس العمل غير المشروع وفقا للخطأ الشخصي في المسؤولية التقصيرية.

         ورد مصطلح الاداب العامة في بداية المادة (38) من الدستور اذ نصت تلك المادة على (تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والاداب ..) ثم بعد ذلك عددت هذه المادة الحقوق والحريات ومنها حرية التعبير عن الرأي، وبالتالي فان هذا القيد قيد دستوري على ممارسة تلك الحريات حتى ولو لم يتطرق قانون حرية التعبير او قوانين الاعلام او قوانين الصحافة او قوانين الطباعة او قوانين الاعلان او قوانين النشر او قوانين الاجتماع والتظاهر السلمي على هذا الحكم في نص القانون 

            ايراد مصطلح في اي قانون يخالف مصطلح النظام العام والاداب يجعل من القانون عرضة للابطال بناء الى احكام المادة (13) من الدستور العراقي النافذ التي منعت تشريع قانون يتعارض مع الدستور وهذا القيد موجود في جميع دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية واوطان الحرية حتى ولولم ينص عليه الدستور او لم يذكره القانون ذلك .

        الأمر الذي القى بظلاله على السیاسةالعقابیة في معظم الدول العربیة، ومنها العراق ؛ تلك الدول التي اصطبغت بعض تشریعاتها بالصبغة الاسلامیة، إذ تعدُّ الشریعة الاسلامیة الغراء في دساتیربعضها مصدرا ًرئیسیاً من مصادر التشریع، وفي بعضها الآخرمصدراً من مصادر التشریع ؛ ومن جانب آخر، وفي مقابل هذا الإرث الاسلامي، هنالك إرث قانوني آخر ممثل بالصبغة الأنكلوسكسونیة واللاتینیةالمُستمدة من الغرب، والراسخة في تشریعاتالدول العربیة التي تنتهج أصول هذا الفقه أو ذاك؛ فضلاً عن تكبیل الغرب لبعض الدول العربیة ، باتفاقیات ومواثیق ومؤتمرات، وشتى الضغوطات السیاسیة والمادیةوالأمنیة، من أجل مسایرة مفاهیمهم الغربیة، والابتعاد عن موروثاتنا العربیة الاسلامیة، تحت مُصطلحات متنوعة، منها : النوع الاجتماعي ، هذا المصطلح الذي يجمع عدة انواع من الشذوذ " الشاذون - السحاقيات- مغتصبوا الاطفال - مجهولواالهويةالجنسية - ممارسوا الجنس مع الحيوانات  و... " , احترا م حقوق الانسان ، والحریةالجنسیة في اختيار الشريك من أي من الجنسين ( الشذوذ الجنسي ) ، وغيرها

         لم تكتفِ الدول الغربیة بتبني الشذوذ الجنسي , بما يحمل من مصطلحات ومفردات، وإنما عمدت إلى فرضه بالقسروالإكراه، المباشر وغیر المباشر، على بقیةالدول الأخرى، ومنها الدول العربیة، بكافةوسائل الضغط المادیة والأمنیة والاجتماعیة،وفتحت باب الهجرة إلیها للشباب العربي،تحت ذریعة الكبت والحرمان من الحریةالجنسیة في هذه الدول .

           مما ادى في بعض الأحوال، وفي أطر السیاسة العقابیة العربیة تحدیداً، الى ظهور حالة تأرجح ما بین الإباحة والتجریم، لمفاهیم وممارسات، شاذة وبعیدة كل البعد، عن موروثنا الاسلامي، وأخلاقنا العربیةالأصیلة؛ وهذا ما یجد له تطبیقاً عملیاً بارزاً بالنسبة للشذوذ الجنسي الطوعي، فقد وقعت بعض التشریعات العربیة إ زاءها، ما بین سندان الشریعة الاسلامیة، ومطرقة حقوق الانسان والحریة الجنسیة، فتأرجحت ما بین مُبیح أو مُجرّم لها.

           من اجل الاطلاع على السياسة التشريعية والقضائية للمشرع العراقيووجهة نظر المشرع الجنائي العربي من الاباحية والشذوذ الجنسي عموماً ؛ تتناول الدراسة ابتداء القوانین العقابیة العربیةالتي جرّمت الاباحية والشذوذ الجنسيصراحةً .

          المشرع الیمني یحتل مكان الصدارة من بین هذه القوانین في هذا المجال، إذ حرص على تعریف الممارسات الشاذة الجنسية بمُسمیاتها، في بدایة كل نص عقابي على هذه الممارسة، وهذا ما لم نجدهُ إلاّ في قوانین محددة ، بنصه صراحةً في قانون الجرائم والعقوبات رقم  ( ١٢ ) لسنة ١٩٩٤ المعدل، في الباب الحادي عشر( الزنا وهتك العرض وافساد الأخلاق ) ، في الفصل الأول ( الزنا وما في حكمه )، في المادة( ٢٦٤ ) ,على تجریم الشذوذ الجنسي الطوعي الذكری(اللواط)، بقوله(اللواط هو اتیان الانسان من دبره، ویُعاقب اللائطوالملوط، ذكرا كان أو انثى، بالجلد مائة جلدة، إن كان غیر مُحصَن، ویجوز تعزیرهبالحبس مدة لا تجاوز سنة، ویُعاقب بالرجم حتى الموت، إن كان مُحصنا ) . كما أن المادة268 تعاقب العلاقات الجنسیة بین النساء بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات. وتعاقبالمادتان 273 و 274من القانون آنف الذكر,كل "فعل فاضح مخل بالحیاءبالسجنلفترة تصل إلى 6 أشھر .

         سار على النهج ذاته، قانون الجزاء العماني رقم( ٧) لسنة ١٩٧٤ المعدل، إذ خصص الفصل الثالث منه تحت مُسمى(اللواط والسحاق)، وجرّم بموجب نص المادة( ٢٢٣ ) منه،الشذوذ الجنسي الطوعيبصنفیه : ( یُعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، كل من أرتكب مع شخص من نفس الجنس أفعالاً شهوانیةیُلاحقفاعلا اللواط أوالسحاق بدون شكوى، أذا أدى الأمر إلى الفضیحة. ولا تُلاحق مرتكبات السحاق بین الأصول أو الفروع أو بینالأخوات إلا بناءً على شكوى قریب أو صهر لأحداهن حتى الدرجة الرابعة).

          اعتمدت عمان قانونا جزائیا جدیدافي ینایر/كانون الثاني 2018 جرّم ھذاالقانون، لأول مرة،التعبیر عن الھویة النوع غیر النمطیة , تفرض المادة 266 عقوبةبالسجن تتراوح بین شھر وسنة أو كلاالعقوبتین على "كل من تنكر في زيّ امرأة , في حين كان قانون الجزاء السابق یعاقبحالات الشذوذ الجنسي فقط في الحالاتالتي یؤدي فیھا الأمر إلى "فضیحة"،صارت المادة 261 من القانون الجدید تعاقبأي علاقة جنسیة بین رجلین بالتراضيبالسجن لفترة تتراوح بین 6 أشھر و 3 سنوات

        تجُرّم المواد 253-256 الفجور دون تعريفه وتحضر المواد 265,267-268الافعال المخلة بالحیاءونشر أو توزیع أي "كتاب أومطبوع أو رسوم أو صور... خادشة للحیاءأو مخلة بالآداب العامة".

      يبدو وجود قيد في النص العماني ,على تحریك الدعوى الجزائیة في ممارسات اللواط والسحاق، وهو وجود شكوى؛ ومن مفهوم المخالفة، أنه لا تُحرك الدعوى الجزائیةدون تلك الشكوى، إلاّ في حال حصول (فضیحة بمعنى اتصال علم الجمهور أو العامة بذلك الفعل المُجرّم . الى جانب ذلك ,المشرع العماني میّز عند اقامة الدعوى الجزائیة، ما بین اللواط والسحاق، إذ حرص في الأخیر على قصر تحریك هذه الدعوى، على الاقارب والاصهار حتى الدرجة الرابعة، إذا ما حصل السحاق ما بین الأخوات، أو الفروع، أوالأصول.

            المشرع الجنائي التونسي خطى الخطوات ذاتها، في المجلة الجزائیةالتونسیة رقم( ٤٦ ) لسنة ٢٠٠٥ ، في الفصل( ٢٣٠ ) منها، لسنة ٢٠٠٤ المعدل، في المادة( ٢٨٥ ) منه، بقوله یُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات، كل من واقع ذكرا بغیر اكراه، أو تهدید أو حیلة، وكان قد أتم السادسة عشرة من العمر، ویُعاقب بذات العقوبة، الذكر الذي قبل ذلك على نفسه، وتكون العقوبة(الحبس) المؤبد، أو(الحبس) الذي لا تجاوز مدته خمسة عشرة سنة، اذا كان الجاني ممن نص علیهم في الفقرةالثانیة من المادة( ٢٧٩ ) من هذا القانون؛ ونص في المادة( ٢٨٤ ) على انه یُعاقببالحبس المؤبد، كل من واقع ذكرا  بغیراكراه، أو تهدید، أو حیلة، مع علمه بأنه مجنون أو معتوه أو لم یبلغ السادسة عشرة من العمر، وتكون العقوبة الاعدام، اذا كان الجاني ممن نص علیهم في الفقرة الثانیةمن المادة( ٢٧٩ ) من هذا القانون . بینماتحتوي النسخة الفرنسیة للمادة مصطلح"اللواطفقط، تشیر النسخة العربیةالرسمیةإلى العلاقات الجنسیة الشاذةبمصطلحي "اللواطو"المساحقة". 

      يعاقب القانون القطري حسب المادة 281 بالحبس سبع سنوات لمن يعتقل بتهمةالشذوذ الجنسي وإلى جانب القانونالمدني، تطبق أحكام الشريعة الإسلامية علىالمسلمينفي حين يعاقب من يتهم بالزنا فيحال كان متزوجاً بالموت، بينما يعاقب غيرالمتزوج سواء كان مثلياً أو مغايراً بالجلد.

        كان قانون العقوبات القطري رقم 14لسنة 1971 یعاقب الأفعال الجنسیة بخلافالطبیعة بالسجن حتى 5سنواتلكن ھذاالبند ألغي عند تعدیل القانون في 2004 . بموجب المادة 296 من القانون الجدید الذي یعاقب بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات كلمن "قاد أو حرّض أو أغرى بأي وسیلة ذكرالارتكاب فعل اللواط أو الفجورأو "حرضأو أغرى بأي وسیلة ذكرا أو أنثى لإتیانأفعال منافیة للآداب أوغیر مشروعة". 

            المُلفت للنظر، أن المشرع القطري في المادة( ٢٨٨ ) نص على أنه یُعاقب (بالحبس)مدة لا تجاوز عشر سنوات، من هتك عرض انسان بغیر اكراه، أو تهدید أو حیلة، وكان قد أتم السادسة عشرة من عمره...)؛ وبالنتیجة، فقد جعل هتك العرض بالرضاء، أشد عقاباً من الشذوذ الجنسي الطوعي (اللواط)؛ وهذا الأمر خلافاً للعقل والمنطق، إذ من غیر المُستساغ أن تتم المُعاقبة على هتك العرض ك(السحاق) مثلاً، بعقوبة أشد من عقوبة (اللواطة)؛ إذ أن الحد الأعلى لعقوبة السجن في الأولى عشر سنوات، بینما لا یتجاوز الحد الأعلى له في الثانیة، عن سبع سنوات.

          قانون العقوبات لجنوب السودان رقم( ٩) لسنة 2008، نص في الفقرة( ١) من المادة( ٤٨٩ ) منه:(یعاقب بالسجن لمدة لا تزید على عشر سنوات وبالغرامة، كل شخص: قام بمُجامعة آخر على خلاف الطبیعة؛ أو سمح بحصول تلك المجامعة علیه ) .         

         كذلك قانون العقوبات السوري رقم( ١٤٧ ) لسنة ١٩٤٩ المعدل، إذ ینص في المادة( ٥٢٠ ) منه، على أنه(كل مُجامعة على خلاف الطبیعة یُعاقب علیها بالحبس حتى ثلاث سنوات) .

        يبدو أن المشرع السوري ، استعملمصطلح(مُجامعة على خلاف الطبیعة)، وهذا المصطلح واسع النطاق، إذ یشمل الشذوذ الجنسي الطوعي بنوعیه الذكری والأنثوي، فضلاً مواقعة الأموات والحیوانات، وعاقب على الشذوذ الجنسي بوصف الجنحة، بالحبس حتى ثلاث سنوات، دون تحدیدالحد الأدنى للعقوبة، الامر الذي يجعل للمحكمة امكانية النزول عن الحد الاقصىالمقرر وحسب مقتضیات كل واقعة.

       في نصٍ مُشابه، ولكن بعقوبة أقل جسامة، یُشیر قانون العقوبات اللبناني رقم( ٣٤٠لسنة ١٩٤٣ المعدل، في المادة( ٥٣٤ ) منه، إلى أنه ( كل مُجامعة على خلاف الطبیعة یُعاقب علیها بالحبس حتى سنة واحدة ) ؛ ورغم ضآلة هذه العقوبة، إلاّ أن هذا النص یُجابه بحملة شعواء من قبل مناصري الشذوذ الجنسي الطوعي في لبنان، تحت ذریعة تفسیر مصطلح(مُجامعة على خلاف الطبیعة مُستنكرین كون هذه الممارسة الشاذة والقذرة خلافاً للطبیعة . 

         أیضاً قانون الجزاء الكویتي رقم( ١٦ ) لسنة ١٩٦٠ المعدل، إذ جرّم الشذوذ الجنسي الذكري(اللواط) بنص صریح، في المادة( ١٩٣ ) منه، بقوله(إذا واقع رجل رجلاً آخر بلغ الحادیة والعشرین وكان ذلك برضائه، عوقب كل منهما بالحبس مدة لا تجاوز سبع سنوات)؛ أما إذا كان السن دون واحد وعشرین عاماً، فأنه أحال هذا الأمر علىوصف هتك العرض، وذلك بموجب نص المادة( ١٩٢ ) منه،( كل من هتك عرض صبي أو صبیة لم یتم كل منهما الحادیة والعشرینمن عمره، بغیر إكراه أو تهدید أو حیلة، یُعاقب (بالحبس) مدة لا تجاوز عشر سنوات. فإذا كان الجاني من أصول المجني علیه أو من المتولین تربیته أو رعایته أو ممن لهم علیه سلطة، أو كان خادماً عند من تقدم ذكرهم، كانت العقوبة (الحبس) مدة لا تجاوز خمس عشرة سنة).

        اما المشرع السعودي، إذ تُطبّق أحكامالشریعة الاسلامیة بشأن الشذوذ الجنسي الطوعي، فیُعاقب على اللواط، أو المساحقة، أوالتشبّه بالنساء، وما شاكل ذلك من الممارسات الشاذة؛ وحسب جسامة كل فعل وتكییفه .

         توجد تشريعات عربية جرمت الشذوذ الجنسي الطوعي في نصوصها ضمناً، منخلال تجریم هتك العرض بالرضاء، دون النص صراحة على المواقعة ما بینالرجال(اللواط)، أو المساحقة ما بین النساء.ویعني هتك العرض: الإخلال العمدي الجسیم بحیاء المجني علیه، بفعل یُرتكبعلى جسمه، ویمس في الغالب عورة فیه أو هو كل فعل یستطیل إلى جسم المجني علیهوعوراته، ویخدش عاطفة الحیاء عنده من هذه القوانین : قانون العقوبات الاماراتي رقم( ٣) لسنة ١٩٨٧المعدل، إذ ورد تجریمالشذوذ الجنسي الطوعي في المادة( ٣٥٦ ) منه، بقوله(... یعاقب على جریمة هتك العرض بالرضا بالحبس مدة لا تقل عن سنة، فإذا وقعت الجریمة على شخص ذكرا كان أم أنثى تقل سنه عن أربعة عشر عاماً، أو إذا وقعت الجریمة بالإكراه، كانت العقوبةالسجن المؤقت).

        ذهب جانب من التشريعات الجنائيةالعربية، الى عدم النص على تجریم انواع الشذوذ الجنسي فهي لم تجرّمها صراحةً أو ضمناً، وإنما اكتفت بالنص على تجریم هتك العرض، فقط في حال إذا ما تم دون رضا، أو برضاء غیر مُعتد به، كرضاء القاصر، أو المُكره، وما شاكل ذلك؛ وبالنتیجة، فإن هذا التوجهة التشريعي يعتد برضاء أطراف العلاقة البالغین سن الرشد، ويبیح تلك العلاقة وفق الرضاء المشار اليه.

         استكمالاً لما تقدم بیانه، هناك من یرى، أن سن المجني علیه هو مناط أهلیته ، وكان طبیعیاً أن یلعب هذا السن الدور الأول في جرائم هتك العرض دون قوة أو تهدید، باعتبار أن هذا السن هو المُعوّل علیه في تكییف طبیعة الرضاء الواقعي الصادر منه، وهل هو رضا مُعتبر قانوناً لا تقوم به أیةجریمة من جرائم العرض؟ أم رضاء غیرمُعتبر قانوناً فتقوم الجریمة برغمه وینضوي تحت هذا الاتجاه، طائفة من القوانين منها . قانون العقوبات المصري رقم( ٥٨ ) لسنة ١٩٣٧ المعدل، قانون العقوبات البحریني رقم( ١٥ ) لسنة ١٩٧٦ المعدل وقانون العقوبات الأردني رقم( ١٦ ) لسنة ١٩٦٠ المعدل .

      المشرع الأردني،رغم عدم تجریمه للشذوذ الجنسي الطوعی في قانون العقوبات،إلاأنه جرّمه في قانون العقوبات العسكريالأردني رقم( ٥٨ ) لسنة ٢٠٠٦، في المادة( ٥٠ ) منه،بقوله ( یُعاقب بالحبس مدة لا تزیدعلى سنتین،كل من مارس الجنس مع مثیل جنسه برضاه) ؛ وغني عن البیان أنالنص المذكوریقتصرتطبیق احكامه على أفراد القوات المسلحة الأردنیة،من مراتب وضباط .        

       لاجل ان تقف الدراسة على ما نصقانون العقوبات العراقي النافذ رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته ما يتعلق بافعالالشذوذ الجنسي ، من الاهمية مراجعةنصوص دستور جمهورية العراق 2005 الدائم ، ولوحظ إنَّ احكام القانون آنف الذكرمخالفة للقواعد الدستورية ، وبالإمكانالطعن عليها أمام المحكمة الاتحادية العليابعدم دستورية هذه الاحكام ؛ لما لها منخطورة اجرامية واجتماعية تصل إلى حدتفكك المجتمع بما يشجع على ممارسةالانحراف مستهدفة بناء الاسرة العراقيةوقيمها السامية ، كي تنفصم الامة عنعقائدها واخلاقها .

         كانت الموازنة العامة الاتحادية لعام2021 , هي الوحيدة التي اكدت علىضرورة مراعاة المشاريع المدرجة في الموازنةالعامة للدولة لاحتياجات النوع الاجتماعي ,بعد ان اقرت في قانون الموازنة العامة مادةخاصة بذلك هي المادة (28) الفقرة سادسا : ( تلزم الحكومة باعداد برامج مستجيبةللنوع الاجتماعي وتمكين المرأة ) . في حيناختفى هذا النص في قانون الموازنة العامةالاتحادية للسنوات 2023- 2024 -2025 . 

       يلزم ان يكون الدستور والقانونوالسياسة التشريعية لاي دولة معبرا عنمتبنّيات شعبه الفكرية والعقائدية والثقافية، وحيث ان الشعب العراقي مسلم بغالبيتهالعظمى ( بنسبة ٩٧٪) , ينبغي لمبانيةومرتكزاته الفكرية , لاسيما الجهاتالتشريعية وفي مقدمتها مجلس النوابالعراقي , ان تمتثل وتلتزمبقيم ومعتقداتالشعب العراقي المسلم وتحظر افعال الشذوذالجنسي .

        استنادا الى ما جاء بالمادة (2/ اولاوثانيا ) من دستور جمهورية العراق لعام2005 والتي نصت في اولا على ان :( الاسلام دين الدولة الرسمي , وهو مصدراساس للتشريع : ألا يجوز سن قانونيتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ) وجاءفي ثانيا :( يضمن هذا الدستور الحفاظعلى الهوية الاسلامية لغالبية الشعبالعراقي ... ) واكدت المادة (29/ اولا ) منالدستور العراقي , بان : الاسرة اساسالمجتمع, وتحافظ الدولة على كيانها وقيمهاالدينية والاخلاقية والوطنية ).

     على الرغم من أن دستور 2005 الدائمينص على قواعد لا تجيز اباحة الشذوذالجنسي، مثلما لا تجيز سن قوانين تتعارضمعه ، يلحظ انَّ المشرّع العراقي جانبالصواب، وعارض الحكم الشرعي الديني،فضلا عن مخالفته لأحكام نصوص دستور2005 العراقي، إذ إنَّ الاحكام التي تضمنهاقانون العقوبات العراقي النافذ قيّدتْ تجريمممارسة  الشذوذ الجنسي بعنصرينواباحته في حال تحققهما، في الوقت الذيلم يكن فيه أي تحرك فعلي للطعن على هذهالاحكام أمام المحكمة الاتحادية، كونهامخالفة لقواعد دستورية، ومن الممكن الحكمعليها بأنها أحكام غير دستورية .

      ان المشرع الجنائي العراقي في قانونالعقوبات العراقي رقم ( 111) لسنة 1969 وتعديلاته , على وفق ما ورد من احكام فيالمواد ( 393-397) من قانون العقوبات , قيدتجريم الشذوذ الجنسي بنوعية , بقيدينهما عدم تحقق بلوغ السن القانونية , والقيدالاخر يتمثل بعدم تحقق الرضاء .

        الشذوذ الجنسي هو محرم شرعابالاستناد الى ما ورد في كتاب الله والسنةالشريفة , من النهي عنه وحرمة الاتيان به , بوصفه حكما ثابتا من ثوابت احكام الاسلامفلا يجوز للمشرع العراقي فضلا عنالجهات المعنية بفن الصياغة والرقابةوالتدقيق , غض الطرف عما ورد في القرآنالكريم والسنة المطهرة وتشريع وتمريرالقوانين والاحكام بما يخالفهما , في اباحةالشذوذ الجنسي من قبيل : النوعالاجتماعي  الجندرة - , واختيار الجنس  , والتحول الجنسي والحرية الجنسيةالاباحية بنوعيها , بعد ان اتخذت بعضالمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني , منالمفاهيم السامية مثل : مناهضة العنفوحقوق الانسان والحرية الشخصية , ادواتكي تحقق اهدافها بهدم وتفكيك النسيجالاجتماعي العراقي وتحويله الى مجتمعمتحلل الروابط غير آبه بمبادئه واخلاقه غيرمؤمن بثوابت الاسلام .

         حيث ان الفقرة اولا من المادة (13) مندستور جمهورية العراق النافذ نصت :( يعدهذا الدستور القانون الاسمى والاعلى فيالعراق , ويكون ملزما في انحائه كافة,وبدون استثناء ) . ونصت الفقرة الثانية , من المادة آنفة الذكر : ( لايجوز سن قانونيتعارض مع هذا الدستور , ويعد باطلا كلنص يرد  في دساتير الاقاليم , او أي نصقانوني آخر يتعارض معه ) .

         وفقا لما تقدم يجدر بالمحمكة الاتحاديةالموقرة , الحكم بعدم دستورية النصالمخالف لنص دستوري ومن ثم ببطلانه , كما يشترط النظام الداخلي للمحكمةالاتحادية نشر الحكم بعدم دستورية نص اوتعديله بالجريدة الرسمية . الا ان الملاحظ انقانون المحكمة الاتحادية وكذلك نظامهاالداخلي , لم يعالجا الاثار المترتبةعلىالنص الملغي او المعدل .

          الى جانب ما تم ذكره , يجدر بالادعاءالعام الموقر , اتخاذ الاجراءات القانونيةوعدم غض الطرف عن الطعن بعدم دستوريةاباحة مماسة الشذوذ الجنسي بالاستنادالى نص المادة (5/حادي عشرمن قانونالادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 , التي تعدالطعن بعدم دستورية القوانين والانظمة امامالمحكمة الاتحادية العليا من مهام الادعاءالعام . وعلى الاخير الطعن في احكام المواد(393-397) من قانون العقوبات، تحديداًفيما يتعلق بعدم دستورية قيد تجريمالشذوذ الجنسي بين الذكور وبين الاناثبقيد عدم تحقق بلوغ السن القانونية، وقيدعدم تحقق الرضا، وذلك لانَّ تقيد التجريميؤدي إلى اباحة الشذوذ، الأمر الذييتعارض مع تحريم (اللواطو (السحاقبوصفه حكما ثابتاً من ثوابت احكام الاسلام.

           عند ملاحظة قانون العقوباتالعراقي، ومطالعة الباب التاسع ( الجرائمالمخلة بالأخلاق والآداب العامةفیه  ، الفصلالأول - الخاص ب(الاغتصاب واللواط وهتكالعرض)- في اطار نصوص المواد ( 393-397) لم نجد ، نصاً یُعاقب على ممارسةالشذوذ الجنسي الطوعي ؛ لذا يعد المشرعالعراقي  ضمن فئة المشرعين الذين لميجرموا الشذوذ الجنسي الطوعي، لاصراحةّ ولا ضمناً، اعتداداً برضاء طرفيالواقعة البالغين

          إذ نصَ قانونُ العقوبات العراقي رقم(111) لسنة 1969 وتعديلاته، على واقعةوصفها المشرّع الجنائي بـ (جريمة اللواط،التي قيّد تجريمَها بعدم تحقق عنصرين هماالبلوغ والرضا ، إما ما يتعلق بالمثلية بينالإناث (السحاق)، فلم يتناولها المشرّعالجنائي كما هي تحديداً؛ إنَّما من الممكن أنتتضمنها جريمة (هتك العرض)، من دونذكرها صراحة،  كذلك اباحها المشرّعُ ايضاًفي نفس الحالةِ والظروفِ التي اباح بهاجريمة الشذوذ الجنسي بين الذكور.      

        في السياسة التشريعية ذاتها , آنفةالذكر , عالج المشرع العراقي مسألة الجرائمالمخلة بالاخلاق والاداب العامة في قانونالعقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل , في الكتاب الثاني الباب التاسعضمن ثلاث فصول : الفصل الاول تحتعنوان " الاغتصاب واللواط وهتك العرض " المواد ( 393-398) , اما الفصل الثاني جاءبعنون "التحريض على الفسق والفجورالماددة ( 399 ) والفصل الثالث يحملعنوان"الفعل الفاضح المخل بالحياء"المواد ( 400-404) .

        قضى المشرع العراقي بموجب المادة( ٣٩٤ ) من قانون العقوبات، على جریمةاللواطة الواقعة برضا المجني علیه الذي اتم الخامسة عشر سنه من عمره ولم لم یكن قدأتم الثامنة عشرة من عمره یوم ارتكابالجریمة , بالسجن مدة لا تزيدعلى سبع سنين او بالحبس . وقُضي أیضا (إذا لاوطالمتهم، المجني علیه برضاه، وكان سن المجنيعلیه دون الخامسة عشرة سنة من العمر،فتنطبق الجملة الأخیرة من الفقرة الأولى منالمادة( ٣٩٤ ) عقوبات، القاضیة بالسجن لمدةلا تزید عن عشر سنوات بلحاظ  قرار مجلسقیادة الثورة المنحل رقم( ٤٨٨ ) لسنة 1978إذینص في المادة( ٢) منه، على أنه ( یُعاقببالسجن المؤبد مرتكب فعل الوقاع أو اللواطذكرا أوانثى، اذا تم الفعل برضاهما، وكانا قداتما الثامنةعشرة