الاسلام وأتمتت السيادة التكنولوجية

 

المستشار . أ . د . رياض ابو سعيدة                                                                                                  النجف الاشرف 17/7/ 2023

riadhh.abuseaida@uokufa.edu.iq


dr.riyadh_hussin@yahoo.com

                                                                                                                          





           

       يبدو ان الاسلام يمر بمرحلة تجديدية ودخل الى ساحة الاحداث العالمية ، بعد ان بدأ العمل على تعديل قوانين كثير من الدول بما يقترن ويطابق فقةالشريعة الاسلامية . ولنا ان نتسائل أي قوة رهيبة يمتلكها الدين الاسلامي الذي باسمه تمكنت افغانستان من مقارعة الاتحاد السوفياتي ( روسيا بعد عام 1991) بقوته العظمى ؟

       بالقوة التي يمتلكها الاسلام تمكنت بنظامه ايران , من مواجهة عتاة الانظمة الصهيوأميركيةومحاور الشر التي تدعمها وغيرت الجمهورية الاسلامية في ايران المعادلة بعد ان ركبت الموجة العلمية التكنلوجية والامن السبراني في اعتماد الاتمتة والثورة الصناعية الرابعة .

       يخشى العالم الغربي هذه الرؤية التجديدية في الاسلام , في حين ان صورة الاسلام ترتكز فيها قوة لايمكن كبحها , تلك القوة التي مرت في غفوة مؤقتة ردحا من الزمن , والتي اخذت تشكل تهديدا على القيم الفكرية التي تم اكتسابها في عصر التنوير .

       حلت صورة الاسلام محل صورة السوفيتالوجودي لدى اغلب الفئات المجتمعية  , لاسيما بعد تغيير موازنة القوى في الشرق . ويتسائلون عن سر قوة الاسلام المتجددة , وهذا النمو المتزايد في القوة , الذي لا ينحسر امام اسلوب الحياة العصري , بتجديده لكل مجالاته ونواحيه ومبادئه وهو ما نجد ديموته في كل وسائل السوشل ميديا وأغلب آليات الاعلام في أعادة الاسلمة (Reislamisierung) . وتسمى العقلية المرتبطة بالاسلام ب ( الاصولية ) , التي اصبحت معلما اسلاميا ملفتا للنظر بما يجعل منها وجهه العملة الاخر للاسلام .

       بدأت النهضة الاسلامية ترسخ في اذهان المراقبين الغربيين تدريجيا وكأن ثمة شيئا جديدا يغلي في الشرق وعاصفة رعدية تقترب على ارتفاع منخفض من آسيا .

       لم يقتصر اثر هذه النهضة على رخاء الدول الصناعية الغربية على مستوى الحكومات والمؤسسات فحسب , بل تعداه الى محطات الوقود وداخل البيوت . واصبح التقنين والارتفاع الهائل في اسعار الوقود والمركبات الاقتصادية , بما يعادلها من الطاقة البديلة الصديقة للبيئة , والحفاظ على الطاقة في المنازل واماكن العمل , حقائق جديدة تؤكد على الاهمية الافتصاديةوالجيوسياسة للشرق الاوسط .

      حافظ الاسلام مدى العصور على شعبيته وازدياد عدد اتباعه واتساع رقعته , كما ان المجتمع الاسلامي واصل الاستفادة من قدرات الانتعاش الروحي الكبيرة التي يتسم بها الدين الاسلامي , في توسيع حدود الوجود الاسلامي بوساطة الهجرة والدعوة ( التبليغ الرسالي والوعي والارشاد ) في افريقيا واوروبا والامريكيتين .

      امتد اثر النهضة الاسلامية من البلدان العربية وتركيا وايران والهند وافغانستان وباكستان وبنغلادش الى ماليزيا واندونيسيا بل حتى روسيا والصين .

        من الاهمية بمكان ان يفعِل المتصدين دور المنبر الواعي الرسالي , المنبر بكل اصنافه والوانه العقائدية والعلمية , بالتوجية والارشاد والدعوة بما تؤدي دور التبليغ . 

        المتعارف ان دور المنبر التبليغي , هو في الدرجة الثانية من الاهمية بعد المرتبة العلمية التي تاتي الاولى في سلم الاولويات . قالاجدر بمن يتولى الامور التحول من المتعارف اعلاه حتى يتبؤالمنبر التوعوي التبليغي المرتبة الاولى في سلسلة الاهداف والاهمية .

       دور الحاكمية الاسلامية اليوم , يحتم ان تتوالى الجهود في ان ياخذ الوعي والارشاد (التبليغ) اهميته ودوره المناط به في التصدي والمواجهة لما يناهض الاستعمار الفكري في الحرب الناعمة التي دعى لها صموئيل هندكتن في صراع الحضارات .

        من امهات المسائل عدم التواني والتباطؤ في تغيير الادوار والاستثمار الاوفر للتقدم العلمي المعرفي للفضاء الالكتروني والبيئة الافتراضية ؛ في سبيل مواجهة التحديات المستهدفة لاخلاقناواعرافنا وقبل ذا وذاك شريعتنا الاسلامية السمحاء , الرامية لاجل ان يكون المجتمع المسلم في عصور مظلمة ملؤها التفسخ والانحلال قائمة على التفاهة والسرعة على حساب النوع والتقدم العلمي التكنولوجي , وألا فاننا سنصاب بانتكاسة حضارية ثقافية معرفية تدفع باتجاه المناهض للفكر المعرفي الاسلامي .

       استغل المحور المناوئ للشريعة الاسلامية , الثورة الصناعية الرابعة - العصر الصناعي الرئيس الرابع منذ الثورة الصناعية الاولى في القرن الثامن عشر - بعد مؤتمر دافوس سويسرا 2016 , بكل معطياتها ومعاييرها , في الوقت ذاته صدروا للمجتمع المسلم ما يفكك نسيجه الاجتماعي ويستهدف الموروث الثقافي ويهدد الامة الاسلامية بالتراجع , بادخال المفردات الهدامة ك : الجندر ( حماية النوع الاجتماعي) , حقوق الانسان , تمكين المرأة , العنف الاسري وغيرها , وتثقيف المؤسسات الحكومية في هذه المفردات الى جانب العمل على تجهيل وتغييب ثقافة المجتمع وتقاليده ومعتقداته الدينية , المتأتية من الرسالة المحمدية المعطاء , وثقافته وقواعده القانونية الدستورية والعادية . 

        فضلا عما تقدم من زج لمفردات هدامة آنفة الذكر , عمدوا , في السلاح ذاته - الاتمتة والذكاء الاصطناعي - الى خطوات اخرى مثل عملية حرق اوراق من الكتاب الكريم بموافقة السلطات التنفيذية لحكوماتهم ؛ ليجعلوا المجتمع المسلم منشغلا بالدفاع عن عقيدته ودينيه واخلاقه وعاداته وتقاليده ؛ ليحمي ذاته ونسيجه من التفسخ والانحلال للجيل الناشئ .

        اتخذ محور الشر الصهيوني كل من اشكال الشذوذ الجنسي والمثلية الى جانب الاستعمار الفكري والارهاب , معاول لهدم أسلمة المجتمع , ليصل الامر ان تتم حماية مفاهيم الشذوذ - حماية النوع الاجتماعي  تحت مظلة الحكومات بطلبالاخيرة من الجهات التنفيذية لمؤسسات الدولة ب الحث على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف القائم على اسس النوع الاجتماعي . في حين نجد مؤتمر باريس Vivatech في 14/6/ 2023 , اكبر حدث تكنلوجي  اقتصادي في اوروبا , يجمعشركات التكنولوجيا العملاقة في اوروبا وافريقيا وآسيا والقارة الاميركية , حول عدة مواضيع ابرزها : تكنلوجيا الذكاء الاصطناعي - وتكنولوجيا المناخ والطاقة - والرياضة والتكنولوجيا - والسيادة التكنولوجية . بل ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 16/6/ 2023 , يعلن في لقائه مجموعة من الشركات الناشئة وريادي الاعمال في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي , سلسلة من الاجراءات لدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي , في فرنسا بما في ذلك التمويل الاضافي للشركات الناشئة في مجال الاتمتة ودعم قواعد البيانات باللغة الفرنسية لنماذج اللغات الكبيرة LLM) )فضلا عن اعلانه استراتيجة لتسريع انعاش القطاع الصناعي بقيام عدة خطوات بدأها ب تبسيط الاجراءات الى حد كبير واعلن عن ائتمان ضريبي للصناعة الخضراء لدعم انتاج بطاريات ومضخات حرارية وتوربينات للرياح وانواع شمسية واشار الى تعديل البصمة الكربونية مكافأة لمن يشتري سيارة كهربائية لتشجيع المركبات المصنعة في اوروبا في عام 2024 بدلا عن عام 2026 . في حين ذات البلد وذات الحكومة في الوقت نفسه يدعمونكل توجه او مخطط او هدف يناهض الشريعة الاسلامية ؛ ليبقى المجتمع الاسلامي , منشغلا في علاج ( الدفاع عن ) نفسه , مبتعدا بذلك عن دائرة العلم والمعرفة والانتاج الفكري والاقتصادي بل وحتى الاجتماعي , الامر الذي يجعل فجوة بين المسلمين وبين حضارتهم ومعتقداتهم ومعارفهم ولا يواكبون ما تشهدة المعمورة في ثوراتها الصناعية المتلاحقة .

        تتميز هذه القفزة المعلوماتية , الثورة الصناعية الرابعة , بدمج التقنيات التي تنتفي فيها الحدود الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية حيث التطور التكنولوجي من الذكاء الاصطناعي , والتقنية المتناهية الصغر النانو تكنولوجي , والوسيلة الكمومية (Quantum Computing ) , والتكنولوجيا الحيوية , وانترنت الاشياء , والطباعة ثلاثية الابعاد وتقنية سلسلة الكتل البلوك تشين الى الروبوتات وغيرها من التقنيات و التي ستؤدي الى تغيرات عميقة في تحول انظمة الانتاج والادارة والحكم والحوكمة ما يفتح الآفاق على كل احتمالات الابتكار .

         يلزم الجهات المتصدية اليوم , استثمار وسائل المعرفة كافة التكنولوجية المشار اليها ضمن معطيات الثورة الصناعية الرابعة , في مواجهة هذا الاستعمار الفكري والعلمي والتجهيل الممنهج , لاسيما التحيز والتنميط في تدريب خوارزمياتالذكاء الاصطناعي بتقنيات الاخير , التي نعرفها اليوم بمليارات الداتا البشرية المتوفرة بشكل هائل مع وجود الويب الذي تغرف منه مراكز البحوث والشركات العملاقة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي .

         تشهد هذه المرحلة فورة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي للمحادثة باللغة الطبيعية والادوات لتوليد الصور وغيرها من الادوات التيتعتمد علوم البيانات , وتسابق الشركات لتسويق منتجاتها مايجعلنا نحث العمل لتغيير المعادلة حول تاثير تقنيات الاتمتة والذكاء الاصطناعي على التنميط والتحيز والاضطهاد الرقمي . وكيف يمكن ان يستعمل هذا النوع من الذكاء لتحقيق الاهداف المرجوة في البناء الانساني والاسلامي بما ينفع المجتمعات كافة , فضلا عن قيام وتأصيل ركائز تقبل الاخر وتأكيد التعايش السلمي المجتمعي واستقرار الامن والامان ضمن رفاه اقتصادي يعم المجتمع .

          رؤية الفكر السياسي الاسلامي ترتكز علىحب الاوطان والدفاع عنها ب الاعداد للمواجهة وحسن التدبر وهو ما انتهجة الامام امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام في خطبة الجهاد , ببيانه للقوم بعد استنهاض هممهم , بأهمية الاستعداد والتحول في المواجهة من الدفاع الى الهجوم : (أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ [حربهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلَاناً وَقُلْتُ لَكُمُاغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْفَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِيعُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْعَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُوَهَذَا أَخُوغَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَحَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ) .

        الدعوة في الارشاد والتوجية - التبليغ  ليس المقصود منها مواجهة الشبهات والرد عليها واتخاذ الموقف الدفاعي تجاه تلك الخطوات الممنهجة ضد الشريعة الاسلامية , رغم ان الرد بحد ذاته امرا ضروريا , انما المعني من التبليغ , هو الانتقال - عملية التغيير المنشودة - من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم , وفق المنهج الذي - بينه - سار عليه الامام امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لكن ضمن رؤية اليوم للمعرفة العلمية التكنولوجية والقدرات المتصفة بالبعد الاستباقي الحمائي , اي مجابهة - مواجهة - الفكر المناهض للشريعة الاسلامية , ومبانيه الفكرية من خلال الادوات ذاتها , الى جانب فهم وتشخيص هذه المباني ومن يدفع باتجاهها .

        المواجهة اليوم مواجهة حضارية معرفية عالمية , مؤطرة باساليب التقدم التكنولوجي ذات رؤية استباقية ان لم تكن حمائية لدعم الصناعة وانتقال الطاقة . ومن الضرورة بمكان ان يقف المتصدين وولاة الامر , من ذلك موقفا جادا وحازما بخطوات ضمن منهج متخصص مدروس .

       يلزم بنا اليوم ,عند هذا المستوى من المجابهه , ان ننظر الى الدعوة والتبليغ بأولوية اولى بعد ان تم حجب الصوت الذي ينقل المعارف المنصفة ذات الفكر العقلائي المتصف بالوسطية والمتأمل للحقيقة بوجدان واعي منفتح متسامح يؤمن بالتعايش السلمي والامن المجتمعي لدولة المدينة المنورة , التي ارسى دعائمها ومبانيها الفكرية المجتمعية الرسول المصطفى صلى الله عليه وآلهوسلم , بوثيقتها الدستورية الاسلامية الساعية الى تكريس سعادة ورفاهية الشعوب الانسانية ؛ لذا بات من الضرورة بمكان تزويد المنبر, بما يحمل هذا المصطلح من معان ومفردات, بالمعارف والغذاء الروحي المعرفي المتصف بعولمة الثورة الصناعيةالرابعة فكر الاتمتة العابر للقاراتALACT) .

                                                                            

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق