هل بإمكاننا عدم إستقبال الزائر الأصفر؟


بقلم الدكتور / زياد حازم إبراهيم
عضو خلية الإعلام الصحي لنقابة الأطباء 
تعرض العراق خلال شهري نيسان وأيار من العام الحالي 2022 الى تسع موجات شديدة من العواصف الترابية التي اجتاحت جميع محافظاته وأدت الى إصابة حوالي ألفي مواطن بحالة إختناق وتحسس في كل موجة ، فإلى جانب المضاعفات الصحية المحتملة لتلك العواصف الرملية وخاصة على مرضى الربو والحساسية وكذلك بعض التغييرات النفسية المرافقة لها كالقلق والكآبة ، فإن لتكرار تلك الموجات أيضا تأثيرات سلبية على الواقع الاقتصادي من خلال تعطيل العمل في المؤسسات الحكومية والأهلية وتعطيل دوام المدارس والجامعات وغلق المطارات وزيادة العبء الاقتصادي على المؤسسات الصحية عن طريق إشغال الأسرّة وصرف الأدوية والأوكسجين الطبي ، إضافة الى عواقب أمنية من خلال إنتهاز بعض ضعاف النفوس وأفراد العصابات لتلك الظروف الجوية السيئة وكذلك إستغلال التنظيمات الإرهابية في محاولة تنفيذ هجماتها الإجرامية وكما حدث في بعض المناطق بمحافظتي كركوك والأنبار في الموجة الأخيرة.
ويعزو الكثير من أصحاب الشأن أسباب حدوث وتكرار تلك العواصف الرملية الى مجموعتين رئيسيتين: عوامل طبيعية وعوامل بشرية.
وتتمثل العوامل الطبيعية بالتغير المناخي العالمي في درجات الحرارة والرياح وخاصة في المحيط الهادي الإستوائي الشرقي والذي بإمكانه ان يؤثر على المناطق الإستوائية وشبه الإستوائية ومنها العراق ،  ووجود منخفضات جوية قادمة من شبه الجزيرة العربية والصحراء الكبرى وشمال أفريقيا. إضافة الى شحة الأمطار التي شهدتها البلاد في فصل الشتاء المنصرم ، وزيادة ظاهرة التصحر والجفاف وخاصة في المناطق المكشوفة والتي تسبب هشاشة في التربة وفقدان لطبقتها الصلبة وخاصة تلك التي تغطي المناطق الصحراوية فتجعلها أكثر عرضة لعوامل الرياح.
أما العوامل البشرية فتتمثل بانخفاض الخطة الزراعية في العراق وقلة دعم القطاع الزراعي ، حيث تشير التقارير إلى أن 70% من الأراضي الزراعية في البلد إما متدهورة أو مهددة بالتدهور مما يؤثر على إستدامة المناطق والأحزمة الخضراء ، الى جانب ما شهده الكثير من المناطق من تجريف بشري للبساتين والمساحات الزراعية لأغراض السكن ، علاوة على تأخر إنجاز وإدامة خطط الحزام الأخضر حول المدن ، والذي تنسبه وزارة الزراعة الى قلة التخصيصات المالية التي عرقلت أيضا إتمام خطط مكافحة التصحر وتثبيت الكثبان الرملية والتي باتت تزحف نحو المدن في الآونة الأخيرة.
وقد تطرق تقرير أممي في آذار الماضي الى موضوع قلة الموارد المائية وذلك من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، حيث أشار التقرير الى ان منسوب نهري دجلة والفرات ينخفض بنسبة تصل الى 73% بسبب قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة الى معدلات أسرع سبع مرات من الإرتفاع العالمي وكذلك عدم التوازن السكاني بنسبة تصل الى 70% في المناطق الحضرية مما يؤدي الى تراجع الزراعة بالعراق.
ومن جانب آخر قام البنك الدولي بالتحذير من إحتمالية إنخفاض موارد العراق المائية الى 20% بحلول عام  2050 بسبب التغير المناخي ، وهو نفس العام الذي تنبأت وزارة البيئة ليشهد العراق حلول 300 يوم مغبر خلاله.
وعلى الرغم من تشكيل عدة لجان من وزارات ودوائر مختلفة تعنى بالتشجير داخل المدن وحولها إلا أننا لم نر لهذه اللجان أي دور فعال او عملي في أنجاز مهامها لغاية اليوم.
وفي المقابل لاحظنا تسارع الخطى من قبل العتبتين الحسينية والعباسية المقدستين في إدامة وإعادة تأهيل زراعة النخيل والأشجار لمشروعي الحزام الأخضر الشمالي والجنوبي لمحافظة كربلاء المقدسة إضافة الى تبني وتنفيذ مشروعي فدك والساقي.
ومن جهتها أطلقت نقابة الأطباء في يوم 10 أيار 2022 وبحضور عدد من الجهات ذات العلاقة نداءا هاما للشعب لمعالجة البيئة العراقية وذلك تحت شعار (بيئتنا صحتنا وصحة أجيالنا) لغرض إعداد خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى من أجل النهوض بالواقع البيئي ومواجهة ظاهرة التصحر والحث على الزراعة والتشجير ، فمن خلال تعاون كافة الجهات ومختلف الفعاليات الرسمية والشعبية نستطيع البدء بتطبيق تلك الخطط على أرض الواقع.
إن وضع الحلول الآنية والمستقبلية لمواجهة العواصف الرملية والتصحر يجب ان يحظى بعناية كافة الجهات الحكومية والشعبية من أجل تجاوز المأزق المناخي ، ويجب أن يكون هذا الموضوع ضمن الأولويات الرسمية والجماهيرية عن طريق مجموعة من الخطوات منها إطلاق وتنفيذ إستراتيجية وطنية لمكافحة التصحر لغرض زيادة الغطاء النباتي ، وتكثيف حملات زراعة الغابات والأشجار وخاصة الكثيفة منها لتعمل كمصدات للرياح القادمة والتي بمقدورها تحمل عوامل الجفاف ، وكذلك الحد من قطع الأشجار ، ووقف الزحف السكاني على الأراضي الزراعية ، وإيقاف الرعي الجائر ، وتشجيع مشاريع الزراعة ودعمها والحث على التشجير من قبل المواطنين ودوائر البلدية ومنظمات المجتمع المدني ، وكذلك تشريع قانون لمحاربة الإزالة العشوائية للأشجار ، وعدم التأخير في تنفيذ مشاريع الأحزمة الخضراء حول المدن.
لذلك فإن على عاتق الجميع تقع مسؤولية كبيرة لمواجهة هذه الأزمة والتقليل من إستقبال الزائر الأصفر من خلال الخطوات المذكورة وكل من موقعه ، فإذا كنا لا نستطيع السيطرة على المناخ فإن بمقدورنا التحكم بالتربة وما عليها ، ومن شأن ذلك أن يجعلنا نعيش نحن والأجيال القادمة في بيئة صحية وسليمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق