هل يخوض الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرج سباق الرئاسة بفضل ملياراته ؟


نشرت مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية مقالًا للكاتب ديريك تومبسون تحدث فيه عن حملة المرشح الديمقراطي المحتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة مايكل بلومبرج، الذي كان يشغل سابقًا منصب عمدة نيويورك، والذي يقول عنه الكاتب إنه أسس مسيرته المهنية والسياسية على جمع البيانات وتحليلها، وهي السجل الأحفوري للتاريخ. ما يجعل الأمر أكثر غرابةً هو أن طريقه للرئاسة كان خاليًا من مثل ذلك.
يشير الكاتب إلى أن صحيفة «نيويورك تايمز» وصفت حملة بلومبرج الممولة ذاتيًا بأنها «غير مسبوقة»، كما تصف شبكة فوكس نيوز مقامرته بتجاهل جميع الانتخابات التمهيدية والحزبية في شهر فبراير ( شباط) الجاري لجمع مئات الملايين من الدولارات من خلال حملة الإعلانات المنظمة يوم الثلاثاء الكبير في مارس (آذار) المقبل، بأنها «غير مسبوقة». وردة فعل الولايات المتضررة من هذه الحملة الإعلانية يوم الثلاثاء الكبير، تصفها صحيفتا «ذا تكساس» تريبيون وفلاديلفيا إنكوايرر بـ«غير المسبوقة». 
ويضيف تومبسون أن متوسط استطلاعات الرأي تظهِر أن نسبة الدعم الشعبي لبلومبرج تقارب الـ 8%، وليست تلك بالنسبة المزعِجة لمرشح يخوض السباق الرئاسي منذ 70 يومًا فقط، لكنها تضعه إلى حد كبير خلف المرشحَيْن الأوفر حظًا: جو بايدن وبيرني ساندرز.

الحرب على إيران وحقوق الفلسطينيين.. هكذا ستكون سياسات مرشحي الانتخابات الأمريكية 2020

لذا ما الذي يفعله مايكل بلومبرج في الواقع؟

يرصد الكاتب خمسة اتجاهات نستطيع من خلالها استيعاب ملامح في حملة بلومبرج الانتخابية:

استراتيجية رائعة وبعيدة النظر سوف تنقذ الحزب الديمقراطي- المعتدلين داخله على الأقل.

يقول تومبسون إن بلومبرج قفز إلى السباق الرئاسي باعتباره بديلًا معتدلًا بعد سلسلة من استطلاعات الرأي، من بينها استطلاع رأي أجرته «نيويورك تايمز»، كشفت عن أن أبرز المرشحين الديمقراطيين، متقاربين إحصائيًا، أو يأتون خلف دونالد ترامب، داخل ست ولايات تشتد فيها المعركة الانتخابية وهي ميتشجغان، وبنسلفانيا، وويسكونسن، وفلوريدا، وأريزونا، وكارولاينا الشمالية.
يضيف الكاتب أن خطة مايكل بلومبرج لا تستند فقط إلى اليقين المترسخ لديه أن كلًا من ساندرز وإليزابيث وارين يساريان متطرفان بشدة لدرجة يتعذر معها فوزهما في الانتخابات العامة. إلا أن هذا الطرح مبني أيضًا على فرضية معينة خاصة بـبايدن، تشير إلى أنه بالرغم من تفوقه في استطلاعات الرأي الوطنية، فإن بايدن مرشح متقدم لكنه ضعيف، وقد يكون مصيره الفشل.
كما أن مشاكله الخاصة بجمع التبرعات لحملته الانتخابية – جمع خلال الربع الأخير أقل مما جمعه المرشحان بيرني ساندرز أو بيت بوتجيج – تُعد عَرَضًا لأزمة أعمق، ألا وهي: عدم القدرة على إلهام الحشود، أو الفوز في المناظرات بطريقة مقنعة، أو خلق الحماس الكافي لاجتياز الانتخابات التمهيدية الطويلة.

Embed from Getty Images

وفي حال اكتسح بايدن معظم الولايات الأساسية في طريقه للظفر بأصوات غالبية مندوبي الولايات، فإنه سينسف هذه الفرضية إلى حد كبير. بيد أن معدلات الاقتراع منذ مطلع فبراير الحالي تشير إلى أن بايدن قد يخسر في ولايات آيوا، ونيوهامشير، ونيفادا.
في هذه الحالة، وبحلول مارس (آذار) المقبل، من المرجح أن يصبح الشخص الذي يصف نفسه بالاشتراكي (بيرني ساندرز) هو المرشح الأوفر حظًا في حزبٍ لا يحب حملة المشاعل داخله شيئًا من هذا القبيل.
وفي المستقبل المنظور سيبحث المعتدلون الديمقراطيون عن القائد الذي يتسم بالذكاء، الجدير بالاعتماد عليه، الذي لديه فعليًا حملة وطنية ضخمة. 
يتساءل الكاتب «من سيكون هناك، بأذرع وحافظة نقود مفتوحة، مدعومًا بثروة قيمتها 50 مليار دولار، وعلى استعداد لدعم الأصوات المعتدلة داخل الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطية؟» السيد. «لا مثيل له» (مايكل بلومبرج).

رحلة الكبرياء التي ستسلم الانتخابات التمهيدية مصادفةً إلى ساندرز.

يقول تومبسون: إن بلومبرج ربما يعتقد أنه يضع خطة تأمين ضد الكوارث للمؤسسة الديمقراطية، ولكن ماذا لو كان يقتل المريض بالفعل؟
ويوضح أن بلومبرج يُغرِق «الثلاثاء الكبير» بإعلانات صريحة – وغالبًا ما يكون ذلك فعالًا – بمعنى أنها مصممة لجذب أنصار بايدن من الناخبين كبار السن المعتدلين، ولا توجه انتقادات مباشرة لأنصار ساندرز.

مترجم: هل يفوز بيرني ساندرز برئاسة أمريكا 2020؟ هذه الإحصائيات تجيبك

وبالتالي ليس مفاجئًا إلى حد كبير بحسب الكاتب أن حملة بلومبرج الانتخابية يبدو أنها تحصل على دعم من بايدن. في حقيقة الأمر، تظهر بيانات خاصة باستطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك أن معظم الدعم الذي يحظى به بلومبرج سيذهب إلى بايدن. 
نتيجة أخرى غير مقصودة من حملة الدعاية الخاصة ببلومبرج، هي: أنه سيدفع ثمن إعلانات مدة كل منها 30 ثانية لمرشحين آخرين، أو أنه سيمنعهم من الظهور على التلفاز تمامًا. 
ولأن ساندرز يملك ما يكفي من المال، أكثر من أي مرشح محتمل سوى مايكل بلومبرج، فإن تزايد الإعلانات يفيده بالمقارنة مع بايدن.
وفي السباق بين بايدن وساندرز، سيصرخ بلومبرج بقوة: «أنا هنا للمساعدة!» قبل أن يقفز فوق ظهر بايدن، ويقّوِض الزخم الضعيف بالفعل الذي يتمتع به المرشح الأوفر حظًا، حتى مع استمرار ساندرز في التقدم للأمام دون عوائق.
وفي حال حقق (بيرني ساندرز)، السيناتور عن ولاية فيرمونت، انتصارًا أوليًا على تحالف المعتدلين المنقسم غير المترابط، فإن المؤسسة الديمقراطية ستكون أخطأت في نظرتها تجاه بلومبرج باعتبار أن بإمكانه مساعدتها لترشيح اشتراكي لخوض الانتخابات الرئاسية.

Embed from Getty Images

محاولة الإبقاء على حالة الوئام بين اليساريين والمعتدلين كارثة في العلاقات العامة بالنسبة للحزب الديمقراطي.

يتابع الكاتب: تشدد اللجنة الوطنية الديمقراطية على ضرورة أن يتخطى المرشحون عتبة الحد الأدنى من المانحين حتى يكونوا مؤهلين لخوض مناظراتها الرسمية. ونظرًا لأن مايكل بلومبرج لا يقبل التبرعات، فإن هذه القواعد تمنعه حتى الآن من مرحلة المناظرات.
لكن يوم الجمعة الماضية، انتقل بلومبرج إلى المركز الرابع في متوسط استطلاعات الرأي الوطنية، الأمر الذي جعل اللجنة الوطنية الديمقراطية تلغي قاعدة الحد الأدنى من المانحين لخوض المناظرة التي من المقرر أن تجرى في التاسع عشر من فبراير الجاري في نيفادا.
ويلفت الكاتب إلى أن ذلك الأمر يفتح المجال لمشاركة بلومبرج، وللشكاوى من المعاملة التفضيلية التي لا يستحقها ذلك الملياردير حديث العهد بالانتخابات الرئاسية. 
وبعيدًا عن المشكلات المتعلقة بالعملية، فإن المناظرة نفسها قد تكون محرِجة للغاية لبلومبرج؛ إذ إن الملياردير والعمدة السابق سيكون قد استغل ثروته للدخول في مناظرة حول ما إذا كان ينبغي أن تخضع تلك الثروة الهائلة للضرائب حتى النفاد.
وربما ستؤدي المواجهة بين بلومبرج وساندرز إلى مناقشة قيِّمة حول مزايا ريادة الأعمال المربحة، مقابل إعادة التوزيع الجذرية للثروة، أو يمكن أن تُوَسِّع الخلاف بين المعتدلين الأكبر سنًا المناهضين للاشتراكيين وبين الثوريين الشباب المناهضين للبلوتوقراطية «حكم الأثرياء».

تجربة حقيقية في العلوم السياسية تظهِر حدود الدعاية في الانتخابات الوطنية.

طيلة عقود ظل أساتذة العلوم السياسية يبحثون فيما إذا كانت الدعاية السياسية تغير آراء الناخبين، وكيف يحدث ذلك. وفيما يتعلق بحملة مايكل بلومبرج – إلى جانب رفيقه المليادير توم شتاير والذي يتنافس أيضًا للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات – يتاح لأساتذة العلوم السياسية بتجربة واقعية مذهِلة؛ ذلك أن كلا الرجلين أنفقا مجتمعين ما يقرب من 300 مليون دولار على الدعاية فقط. حتى الآن، يمكن القول: إن هذه التجربة أثبتت فشلها، بحسب المقال. 
وفي جميع أنحاء ولايات «الثلاثاء الكبير»، أنفق بلومبرج 91 مليون دولار أمريكي، أي: أكثر 13 مرة من المبالغ التي أنفقها جميع المرشحين، عدا شتاير.
والسؤال ما الذي سيتمخض عنه ذلك؟ ليس أيًا من المراكز الثلاث الأولى في أي من تلك الولايات، وفقًا لأحدث استطلاعات الرأي العامة. (أما بالنسبة لشتاير، فإنه يأتي تاليًا في جميع الولايات عدا كارولاينا الجنوبية).

Embed from Getty Images

يكمل الكاتب قائلًا: بالفعل، يتقدم (بلومبرج) في استطلاعات الرأي الوطنية على الوافدين الجدد إلى الحياة السياسة، مثل رائد الأعمال أندرو يانج وبيتر بوتجيج، ناهيك عن تفوقه على مرشحين كانوا في الطليعة يومًا مثل كوري بوكر وكمالا هاريس.
لكن من المتوقع أن ينفق مايكل بلومبرج في الوقت الحالي المزيد من الأموال على الدعاية أكثر مما أنفقته هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وذلك في مقابل عدد قليل من أصوات مندوبي الحزب.
لذلك الأمر تفسير واحد، في رأي الكاتب، وهو: أن الانتخابات الوطنية أو التمهيدية تنتج الكثير من المواد الدعائية عبر التلفاز والمنصات الصوتية والرقمية والمطبوعة؛ ما يجعل دعاية بقيمة 300 مليون دولار تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي الاهتمام الذي يوليه الناخبون المحتملون.
يعلق الكاتب على ذلك قائلًا: ربما لا يكون إنفاق نصف مليار دولار على الدعاية خلال الانتخابات الوطنية، بهدف تغيير آراء ملايين الأشخاص، أكثر واقعيةً من وضع مغرفة من الحساء في المحيط لتغيير ملوحته.

بداية خطيرة لعصر جديد من حكم الأقلية في الولايات المتحدة

وسواء كان نجم بلومبرج سيخفت في الأسبوعين المقبلين، أو سيصبح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، فإن تجربته الفاخرة في التمويل الذاتي قد تفتح صندوق باندورا المليء بمشروعات الملياردير.
كتب إيريك ليفيتز في مجلة «نيويورك»: «من الناحية التاريخية، يعتبر تدشين حملة انتخابية رئاسية جيدة التمويل ترفًا بالنسبة لملياردير، وهو أمر أشبه بقضاء عائلة من الطبقة المتوسطة العليا عطلة نهاية الأسبوع في منتجع للتزلج».

Embed from Getty Images

ويضيف ليفيتز «في حال تعلم أباطرة آخرون من نموذج بلومبرج، فقد تشهد العقود القليلة المقبلة وفرة من الحملات الانتخابية التي تضخ في شرايينها مئات الملايين من الدولارات، ولن يكون لدى جميعهم هدفًا نبيلًا مثل منع حاكم مستبد (ترامب) من الفوز بولاية رئاسية ثانية».
قد يواجه أنصار بلومبرج أنصار الطبقة الثرية الذين يسيطرون على مقاليد الأمور في واشنطن طيلة أعوام، لاسيما في عالم ما بعد «منظمة المواطنين المتحدين (Citizens United)». (لم تكن عائلات كوك، وميرسر، وسوروس، بحاجة إلى تجربة بلومبرج الملهِمة لإنفاق عشرات الملايين من الدولارات الخاصة بهم لدعم القضايا الجمهورية أو الديمقراطية في الدورات الانتخابية القليلة الماضية).
وربما يضيفون أن هناك أمرًا واضحًا تقريبًا حول المليادير الممول ذاتيًا، فيما يتعلق بسجل عام من التشريعات لا يدين بأي فضل للمصالح الخاصة الغامضة. يردف الكاتب: قد تكره أو تحب فكرة المرشح الملياردير الذي يجسد مفهوم الملك الفيلسوف، إلا أنها تتعارض مع فكرة المرشح المنشوري (وهو مصطلح يشير اختصارًا إلى رئيس تسيطر عليه قوة خارجية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق